mercredi 2 octobre 2019

مدارس الأدب المقارن


المحاضرة السابعة:  مدارس الأدب المقارن
       يتفق الباحثون على أن ميلاد الأدب المقارن كان بفرنسا، وأن نشأته قد أحاطت بها أجواء فكرية وسياسية خاصة كسواد المنهج التاريخي في مجال البحث وانتعا فكرة المحاكاة، فضلا عن التفات الأوربيين إلى تراثهم الأدبي المشترك وسعيهم الحثيث  إلى محاكاة مظاهر عظمته وأصالته. أما سياسيا فإن رغبة فرنسا في استعادة دورها ومكانتها في أوربا والعالم، كل ذلك قد أسهم في بلورة مدرسة فرنسية تاريخية وفق منظور تاريخي شغل القرن التاسع عشر كله وامتد إلى قسم كبي.
1 _ المدرسة التاريخية:
نشأ الأدب المقارن بمفهومه العلمي في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، وكان ثمرة لجهود باحثين أمثال (J.Texte)  الذي نشر سنة 1893 مقالا بعنوان (دراسات عن الأدب المقارن في الخارج وفي فرنسا)، قدم فيه تصورا واضحا للعلم الجديد، يليه Fernand Baldensperger ، وJ.Marie Carré   ، Paul Van Tieghem  الذي ركز على استقصاء سبل التأثر والتأثير، شأنه في ذلك شأن المقارنين التاريخيين فعرّف الأدب المقارن بأنه: "دراسة الآداب المختلفة من ناحية علاقاتها بعضها ببعض"([1])، وبالتالي فقد حصر موضوع الدراسة المقارنة في تلك الجوانب التي يؤثر فيها أدب ما في أدب آخر أو يتأثر به، دون بقية مظاهر الإبداع التي تنطوي عليها الأعمال الأدبية والتي قد تمدّ الدارس بمجال بحث خصب يسهم به في تكوين صورة أوضح عن التراث الإنساني في كليته وشموليته.
تستند نظرة المدرسة الفرنسية التاريخية التقليدية إلى الأدب المقارن ودوره ومجاله العلمي ومنهجيته إلى جملة من القواعد والأسس والخلفيات النظرية والفلسفية، أولها حصر موضوعه في تتبع مظاهر التأثر والتأثير بين الآداب وسبل ذلك التأثر كالترجمة، الرحلة، الصحف، والمجلات، ثم أنواع التأثر والتأثير وأشكالهما ومجالاته (الموضوعات، المواقف، الأجناس...)، وطبيعته (تأثير، تقليد، تقمص، تناص، تجاوز...).
       ويقيّد الفرنسيون إجراء المقارنة بشرط جوهري هو ثبوت الصلة، يقول عصام بهي: "تقوم نظرية الأدب المقارن عند الفرنسيين على تتبع التأثر والتأثير ونتائجهما بين الآداب المختلفة اللغات، التي كان الاتصال بينها مؤكدا"([2])، فلا يكفي ثبوت التشابه أو التقاطع لإجراء المقارنة ما لم يثبت بالدليل المادي حدوث صلة بين الأدبين أو الأديبين.
       وتحت تأثير التيار التاريخي الذي ساد في فرنسا وأوربا خلال القرن التاسع عشر، اتخذت الدراســــات المقارنـــــــة نزعـــــــــة تاريخيـــة في دراسة الأدب، تلك النزعة التي يرى أصحابها أن تاريخ الأدب إنما هو، في جزء كبير منه، تاريخ مصادره ومواده ومواضيعه الأدبية التي تنتقل داخل الأدب القومي وبين الآداب المختلفة، بطريقة لا تخلو من أثر يجعل دراستها ممكنة بالبحث عن الأدلة والوثائق التي تثبت حدوث الانتقال أو التأثر والتأثير([3])، وإذ تحدد مفهوم المقارنة بهذا الشكل، فقد مال عمل المقارنين التاريخيين إلى "الاهتمام بالقضايا التاريخية المحيطة بالنصوص الأدبية وأصحابها، بينما يعزى البحث في النصوص نفسها للنقد الأدبي، مما حول المقارنــــــــــــــة إلى بحث تاريخي لا صلة له بالأمور الفنية والجمالية، وتحول النص إلى مجرد وثيقة تاريخية أكثر مما هو عمل إبداعي".
       ورافقت التوجه التاريخي للمدرسة الفرنسية  نزعة وضعية يعتقد أصحابها أن المعرفة الصحيحة هي التي تستند إلى منهج تجريبي تتم وفقه البرهنة على وجود التأثر والتأثير بالأدلة والوثائق الملموسة  التي لا تدع مجالا للشك، وتكون نتائج بحثه موضوعية غير مبنيــــــة على الحدس أو التخمين، فقد دعا هيبوليت تين (Hippolity Taine)  وسانت بوف (Saint Beuve) إلى جعل الدراسات المقارنة علما موضوعيا، بناءً على قاعدة مفادهـــــــــــــــــــــا أنّ الأسباب نفسها تؤدي حتما إلى النتائج نفسها.
 لقد كان تزاوج النزعتين: التاريخية والوضعية السِّمة الواضحة التي طبعت جهود رواد المدرسة الفرنسية، وكان من ثمارها تَنَبُّــــــــــه الدارسين إلى ضرورة إخراج كتابة تاريخ الآداب القومية من دائرتها المحصورة داخــــل الحدود القومية واللغوية الضيقة لهذا الأدب أو ذاك، لتأخــــــــــــــــــذ في الحسبان العلاقات والامتدادات الخارجية لتلك الآداب.
       ويضاف إلى تلك القواعد فكرة المركزية الأوربية، إذ اعتبرت الثقافة الأوربية عامة والفرنسية خاصة مركز الإشعاع ومصدر القوة والأصالة المستَمدّتين من الماضي الإغريقي واليوناني العريق، بينما اعتبرت باقي الثقافات، ولا سيّـــــــــــما الإفريقية والعربية، متأثرة وتابعة. ومن هذا المنطلق سارت جل الدراسات المقارنة الغربية في اتجاه البحث عن آثار ذلك الإشعاع والتأثيـــر معبّرة _في الغالب_ عن فكر استعماري مُتعالٍ. وبقدر ما تضمنتــــــــــــــــــــــــه من إصرار على إثبات عبقرية الأدب القومي وأصالته وتفرُّده، "فإنّ دراسات التأثير والتأثّــــــــــــــر قد برهنت على بطلان مقولة "الاكتفاء الذاتي" للآداب القومية واستقلالية تلك الآداب وتفردها"([4])
       ويصرّ رواد المدرسة التاريخية على فكرة اختلاف القومية كشرط أساس لا تستقيم المقارنة بدونه، وعلى الحاجز اللغوي فلا تتم المقرنة بين نصين من لغة واحدة، وإلا غدا الأمر مجرد موازنة ترمي إلى إبراز معالم التفوق في لغة واحدة، أو تأثر أديب بأديب آخـــــــــــــــــــــر من بني جنسه. وإن كان واقع البحث قد اصطدم بعقبات جعلت شرط اختلاف اللغة غير مُلزِم، فكثرة انتشار الإنجليزية مثلا جعلها لغة إبداع في أقطار متباعدة جغرافيا واجتماعيا وفكريا حدث بين أدبائها تواصل وتأثر وتأثير كالهند وإنجلترا وأمريكا، يقول د/ إبراهيم عوض: "وتشترط المدرسة الفرنسية -كما ألمحنا - أن تكون هناك صلات تاريخية بين العمليــن أو الظاهرتين أو الأدبين المراد مقارنتهما... سواء أكُتب هذان الأدبان بلغة واحدة أم بلغتين"، فالمقارنة بين أديب إنجليزي وآخر هندي تبقى ممكنة حتى وإن كانت اللغة التي كتبا بها واحدة هي الإنجليزية، ماداما منتميين إلى قوميتين مختلفتين والصلة بينهما ثابتة. 
       لقد تربعت المدرسة التاريخية على عرش الأدب المقارن لعقود بلا منازع، وإن لم تسلم من انتقادات كثيرة نوجزها في الآتي:
1.   الاهتمام بسياق العمل الأدبي وبما هو خارج النص من ظروف تاريخية وصلات أدبية، وإهمال جوهر الإبداع.
2.   النزعة الاستعمارية المتعالية التي تلقي على آداب الأمم المستضعفة في الغالب أحكاما مسبقة بالدونية والتبعية.
3.   تهيئة الجو لظهور مشاعر الشوفينية والتعصب العرقي.
4.   الاهتمام بالبحث التاريخي والتوثيق على حساب النقد الأدبي، فالتاريخيون لم يهتموا بالنص الأدبي ولم يلامسوا أدبيته.
5.   عدم الانسجام بين المنطلقات القومية للمدرسة وبين فكرة العالمية التي تغنى بها روادها.


[1] ) _ عصام بهي، طلائع المقارنة في الأدب العربي الحديث، ص15.
[2] ) _
[3] ) _ ينظر: عز الدين المناصرة، الأدب المقارن مشكلات وآفاق، ص26.
[4] ) _ عز الدين المناصرة، الأدب المقارن، مشكلات وآفاق، ص27.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

الدراسات المقارنة العربية

المحاضرة الحادية عشرة :   الدراسات المقارنة العربية I – البدايات : كانت النهضة العربية علمية أولا ثم بعدها أدبية، ولعل أول من وضع الل...