mercredi 2 octobre 2019


المحاضرة الثامنة:  مدارس الأدب المقارن
2 _  المدرسة الأمريكية والنقد الجديد:
       شهد النقد الأدبي مع بداية القرن 20 تحولا نوعيا في مقاربة النص الأدبي، فقد أحدثت مقولات سوسير اللسانية القطيعة بينه وبين السياقات الخارجية للنص، ووجهت عيون الدارسين إلى التأمل  في بنية الأدب وجوهره وأدبيته التي لا وجود لها خارج علاقاته الداخلية. وقد رافق هذه الرؤية الشكلية انتقادات حادة كانت توجه إلى المناهج السياقية وعلى رأسها المنهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــج التاريخي (الفرنسي) في الأدب المقارن، بدءًا من نأيه عن لب العمل الأدبي واهتمامه بالمؤثرات الخارجية، وصولا إلى المغالاة في الاعتماد على المنهج التاريخي الوضعي والتمسك بالشروط الفرنسية القاسية التي كبلت الدرس المقارن.
       ومن الاتجاهات الكبرى التي قدمت نفسها بديلا عن المدرسة التاريخية مدرسة النقد الجديد التي تأسست في الولايات المتحدة على يد رينيه ويليــــــــــــــــــــــــــــــك (René Wellek)، وذلك في محاضرة ألقاها سنة 1958، في المؤتمر الثاني للرابطة الدولية للأدب المقارن الذي انعقد في جامعة (تشابل هيل) بأمريكا، ووجه فيها نقدا شديدا للمدرسة الفرنسية نلخصه في النقط التالية:
1- تأثرها البالغ بفلسفات القرن 19 كالنزعتين: الوضعية والتاريخية.
2- الابتعاد عن جوهر الأدب وأدبيته والاهتمام بالسياق الخارجي وبما هو خارج دائرة الإبداع كالمجتمع والتاريخ والبيئة.
3- تحويل النقد إلى عمل إحصائي تاريخي أو عمل في المتاحف، همّ صاحبه تحقيق الصلات وإحصاء المبادلات، وتتبع عمليات التأثر والتأثير.
لقد كان هذا التيار الجديد نتيجة طبيعية لتلك المفاهيم الشكلانية ثم البنيوية الجديدة التي قلبت مفهوم النص ووظيفته، وأعادت النظر في مناهج نقده ومقاربته.
انطلق ويليك من ثلاث مقولات أساسية هي:
أ‌-    مقولة أخلاقية رافضة لمبدأ التمييز بين الثقافات والآداب، فهو يعتبر كل الآداب متساوية في القيمة والعطاء والفضل كل منها يخدم الآخر دون تعالٍ أو تمييز لثقافة عن أخرى.
ب‌-                    مقولة سياسية تدعو إلى الانفتاح على كل الثقافات والآداب العالمية ودراسة صور التفاعل بينها، لتحقيق حلم توحد العالم أدبيا.
ت‌-                    مقولة نقدية تنظيرية تؤكد على وحدة الظاهرة الأدبية مهما اختلفت حدودها القومية ولغاتها وزمانها ومكانها، وبالتالي فإن دراستها يجب أن تتم بعيدا عن مبدأ الدائن والمدين، بل من منظور نقدي هادف إلى فهم التشكيل الفني والجمالي لكل منهما في ضوء الأخرى.
لقد حوّل ويليك الدراسات المقارنة من بعدها الزماني إلى دراسة آنية تغوص في بنية النص لفهم تشكيله وجمالياته وعلاقاته الداخلية، وسعى إلى إبعاد المقارنة عن الاهتمام بغير الأدبي، وعن النظرة الدونية التي تعتبر العمل الأدبي "مجموعة من المؤثرات والوسائط الأدبية"([1]). ويتضح منهج ويليك في المقارنة وفق مجموعة من الأسس هي:
_ تجاوز الحدود القومية للظواهر الأدبية، فهي لم تكن في يوم ما مرتبطة بقومية واحدة، بل تمتد إلى آداب قومية مختلفة وقد يكسبها امتدادها صفة العالمية.
_ التركيز على جوهر الأدب وعلى أدبيته، باعتبار النصوص من وجهة نظر البنيويين بُنًى لا وسائط.
_ مقارنة الأدب بالفنون الأخرى التي قد تساعد على فهمه أكثر، باعتبار البنى الداخلية أو الجمالية متقاربة في كل الفنون سواء الأدب أو الموسيقى أو الرسم.
_ يرى ويليك أن الأدب المقارن يجب أن يبقى فرعا من فروع الدراسة الأدبية مستقلا وقائما بذاته، لا يذوب في النقد الأدبي، وإنما على المقارنة أن تكون نقدا يلامس أدبية الأدب، وعلى النقد، إذا أراد أن يمسك بحدود الظاهرة الأدبية، أن يكون مقارِنًا، لأن الظاهرة الأدبية تتجاوز بطبيعتها حدود القومية الواحدة واللغة الواحدة.
لقد أسس ويليك لمدرسة نقدية نصية ذات أبعاد إنسانية وجمالية، حررت المقارنـــــــــــــــــــــــــــــــة من الاعتبارات القومية واللغوية ومن كل السياقات الخارجية ، ووضعت من بين أهدافها الاهتمام بالأدب لا بغيره، المساواة بين الآداب من منطلق إنساني، وفتح أبواب المقارنــــــــــــة على كل الآداب بل وكل الفنون. إلا أن مدرسة ويليك لم تسلم من انتقادات وُجِّهت لها ومآخذ سجلت عليها أهمها:
·                     أن المساواة بين الآداب سابقها ولاحقها، عريقها ومولَّدها، مبدعها ومُحاكيها هو موقف لا يستقيم، فالتمايز بين الآداب واقــع لا مفر منه بحكم اختلاف مراحل النمو ودرجات التطور التي بلغها هذا الأدب أو ذاك الأديب في زمن معين من تاريخ نشأته وتكوينه.
·                     أن إلغاء مبدأ التمايز بين الآداب والثقافات بحجة تساويها في الفضل والعطاء لا يخلو من خطر إذابة ما كان حديث النشأة فيما هو أعرق وأقوى منــــــــــــــــــــــه، ولا من خطر إلغاء السِّمات القومية والشخصية لكثير من الآداب، وبالتالي الحكم عليها بالتفسخ والزوال .
·                     أما اعتبار الأدب المقارن فرعا من الدراسة الأدبية فلا يخلو من خطر ذوبانه فيها وتحوله إلى مجرد آلية من آليات النقد الأدبي، وهو إجراء يضر بهذا الفرع من الدراسة الأدبية ويهدد بزواله.
·                     أنّ ربط المقارنة بالجوانب النصية الشكلية وإبعادها عن مَهَمَّـــــــــــــــــــــــــــــة البحث في تاريخ الأدب، سيجعلها عاجــزة عن البحث في أصالته والحكم على عمق تجربته وصدقها، فالأمران مرتبطان يقاس الثاني منهما بالأول.
 وأخيرا فإن إلغاء مبدأ اختلاف اللغة والقومية كشرط من شروط المقارنة، وإن كان في ظاهره يرمي إلى تحرير المقارنة من فكرة المركزية الأوربية، فإنه قد يفتح الباب أمام مركزية أخرى تكون فيها الهيمنة للآداب المكتوية باللغات الأكثر قوة وانتشارا في العالم كالإنجليزية



[1] ) _ عز الدين المناصرة، الأدب المقارن، مشكلات وآفاق، ص29.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire

الدراسات المقارنة العربية

المحاضرة الحادية عشرة :   الدراسات المقارنة العربية I – البدايات : كانت النهضة العربية علمية أولا ثم بعدها أدبية، ولعل أول من وضع الل...