المحاضرة الحادية عشرة: الدراسات المقارنة العربية
I – البدايات :
كانت النهضة
العربية علمية أولا ثم بعدها أدبية، ولعل أول من وضع اللبنة الأولى في هذا الحقل
المعرفي هو " رفاعة الطهطاوي " الذي سافر مع البعثات الطلابية إلى فرنسا
كواعظ ديني وألف، بعدما أطلع على بعض مظاهر الحضارة الغربية، كتابه "تخليص
الإبريز في تلخيص أخبار باريز " الذي كان مقارنة شكلية وسطحية بين الثقافتين
الشرقية والغربية .
أضف إلى ذلك " سليمان البستاني " الذي ترجم " إلياذة "
هوميروس شعــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرا من اليونانية إلى اللغة
العربية الذي حاول من خلال المقدمة التي كتبها لهذا العمل أن يبحث عن الشعر القصصي
العربي ويقارنه بمثيله الفرنسي أو الغربي عامة لكنه خَلُص إلى نتيجة مفادها أن لا
وجود للشعر القصصي الفني الحقيقي في الثقافة العربية .
وعند انتهاء القرن التاسع عشر كان الإقبال على
الدراسات المقارنة كبيرا ويظهر ذلك جليا عند عدد من المؤلفين السوريين أمثال
" نجيب الحداد " الذي حاول المقارنة بين الشعر العربي والغربي (الفرنسي)
وانتصر للشعر العربي، والملاحظ أن هذه الدراسة كانت ضعيفة جدا.
كما كانت مجلة " المقتطف " حينذاك
اللسان الناطق باسم الوعي الفكري المتفتح، وقد نشرت مقالا بعنوان "بلاغة
العرب والإفرنج " لأحمد كامل الذي رجح بلاغة العرب وتحامل على البلاغة
الفرنسية وقد انتُقد من قبل "خليل ثابت" و"نيكولا فياض" اللذين
نعتاه بالجاهل للثقافة والبلاغة الغربية.
لعل أول عمل يستحق الذكر فعلا هو كتاب
"روحي الخالدي " بعنوان " تاريخ علم الأدب عند الإفرنج والعرب وفيكتور هوغو "(*).
وهو يشمل على مقدمة تاريخية واجتماعية
في علم الأدب عند الإفرنج والعرب أثناء تمدنهم حتى العصور الوسطى وما أخذه الإفرنج
عنهم من الأدب والشعر في نهضتهم الأخيرة لاسيما "فيكتور هوغو " (Victor
Hugo) ومن بين الموضوعات التي تناولها أيضا أخذ
التروبادور علم القوافي عن العرب والأصل العربي لمسرحية السيد (le
Cid) لكورناي.
وبعد الخالدي، كان الاهتمام بالدراسات المقارنة
يزداد ، ففي سنة 1912 يكتب الشاعر العربي " مطران خليل مطران " في
مقدمته لمسرحية " عطيل" لسكشبير
التي ترجمها إلى اللغة العربية، عن اقتراب شكسبير من الذوق العربي "
وفي مطلع العشرينات بدأت كلمة " مقارن
" تظهر بوضوح أكثر في مجال الدراسات الأدبية العربية وتحتل مكانا في بعض المعاهد
العليا، كمدرسة دار العلوم بالقاهرة التي استخدمت منهج المقارنة في مجال الدراسات
اللغوية ففي سنة 1924 كانت تدرس بها مادة جديدة بعنوان " اللغة العبرية واللغة
السريانية ومقارنتهما باللغة العربية ".
وقد ساهمت هذه المدرسة، دار العلوم، في إرساء
قواعد الدراسات المقارنة لا سيما مع الأساتذة "أحمد خاكي " ومهدي
علام" و"عبد الرزاق حميدة " و" إبراهيم سلامة "...
وفي مطلع الثلاثينات ساهمت مجلة "الرسالة" بنشر بعض الدراسات الخاصة
بالأدب المقارن والآداب الأجنبية بشكل عام، بالإضافة إلى مجلة " المقتطف
" التي نشرت بدورها عدة مقالات من هذا النوع لا سيما في سنة 1933 ومن بين هذه
المقالات نذكر مقال نشره باللغة الفرنسية " ماريوس بك شميل" بعنوان
"لامرتين في ربوع الشرق " إلا أنها كانت وصفية.
هذا وقد نشرت مجلة الرسالة أيضا في سنة 1933
مجموعة من المقالات حول " الأدب الفارسي والأدب العربي " واتصفت بالعمق
النسبي والمنهجية.
بالإضافة إلى بعض المقالات التطبيقية مثل مقال
بعنوان " دانتي أليجيري والكوميديا الإلهية وأبو العلاء المعري " متبوعة
بسلسلة من المقالات في نفس المجال .
هكذا كانت مرحلة الثلاثينات هي حجر الأساس في
ظهور البحث التطبيقي في الدراسات المقارنة العربية.
وفي الأربعينات من القرن العشرين ظهر كتاب ذو
أهمية في هذا الحقل المعرفي الأدبي لإلياس أبي شبكة بعنوان " روابط الفكر بين
العرب والفرنجة"
وفي سنة 1946 ظهر كتاب لشفيق جبري بعنوان "
بين البحر والصحراء " لكنه كان بعيدا عن الدراسات المقارنة.
وفي سنة 1948 ظهر كتابان هما:" من الأدب
المقارن " لنجيب العقيقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي و"في الأدب
المقارن " لعبد الرزاق حميد".
اعتبر شوقي ضيف كتاب "نجيب العقيقي "
ثمرة دراسة طويلة في الأدب العربي والغربي مما أدى بفيكتور يزيتي إلى التساؤل : هل
بإمكان الأدب العربي أن يقارن بالآداب الأخرى ؟.
هذا ولا يتميز عمل " عبد الرزاق حميدة
" عنه كثيرا ، وكان عبد الرزاق حميدة رئيس شعبة اللغات بكلية القاهرة وأحد
دعاة تدريس الأدب المقارن منذ 1940، ويعد كتابه المذكور سابقا وثيقة هامة عن وضعية
المقارنة في الفترة الجنينية .بالإضافة إلى ذلك ظهر كتاب " قصة الأدب في
العالم " في هذه الفترة الزمنية.
وفي مرحلة الخمسينات تعددت وكثرت وسائل التواصل
بين العرب والغرب فاتسعت رقعة المقارنة في هذه الفترة لاسيما عند عودة العديد من
الطلاب الذين تخصصوا في هذا المجال في أوروبا ونذكر من بينهم " محمد غنيمي
هلال " الذي نشر سنة 1953 كتابه "الأدب المقارن " الذي يعد مصدرا
مهما للدراسات المقارنة العربية.
وفي نفس السنة نشر محمد محمد البحيري كتابا
بعنوان " الأدب المقارن " وفي سنة 1957 نشر "صفاء خلوصي "
الذي درس وتخصص في هذا الفرع المعرفي الأدبي في الجامعات الأوروبية، كتابا بعنوان
"دراسات في الأدب المقارن " بالإضافة إلى مؤلفاته الأخرى التي بعنوان
:" الأدب المقارن " و" فن الترجمة في ضوء الدراسات المقارنة "
والترجمة التحليلية ".
وبهذا تنتهي المرحلة التأسيسية للدراسات المقارنة
في البلاد العربية لتترك المجال لمرحلة الترويج.
وفي هذه المرحلة ظهرت مجلتان مختصتان في
الدراسات المقارنة هما:
أ-
مجلة " الدراسات الأدبية " ظهرت في لبنان من 1966 إلى 1967 كانت تصدر
باللغتين العربية والفارسية وكان يديرها محمد محمدي.
ب-
الدفاتر الجزائرية للأدب المقارن: ظهرت في الجزائر فيما بين 1967 و1968 وهي تصدر
باللغة الفرنسية وكان يديرها الدكتور " جمال الدين بن شيخ ".
وفي سنة 1966 ظهر كتاب بعنوان " دراسات في
الأدب المقارن " لعبد المنعم خفاجي" وفي سنة 1967 أصدر كتاب لحسن حسن
جاد بعنوان " الأدب المقارن " ، بالإضافــــــــــــــــــــــة الى
دراسات لويس عوض التي " اتسمت بالدقة والمنهجية، أضف إلى ذلك " طه ندا
" و"حسين مجيب المصري اللذان كان يقارنان بين الأدب العربي والادب
الإسلامي الشرقي، وفاطمة موسى : التي نشرت كتابا بعنوان " بين أدبين دراسات
في الأدب العربي والانجليزي " ومحمد مفيد الشوباشي الذي نشر كتابه في هذه
المرحلة لعنوان " رحلة الأدب العربي إلى أوروبا ".
وفي
فترة السبعينات تبدأ مرحلة النضج وأهم ما يمكن ذكره ثلاثة أبحاث جامعية: لمحمد عبد
السلام كفافي في سنة 1971 وطه ندا في سنة 1975 وبديع محمد جمعـــــــــــــــــــــة
في سنة 1978. والجدير بالذكر هنا هو ازدهار الدراسات المقارنة بين الأدبين العربي والإيراني.
وفي هذه المرحلة أيضا يمكننا ذكر كتاب حسام
الخطيب الذي ظهر سنة 1971 بعنوان " سبل المؤثرات الأجنبية وأشكالها في القصة
السورية: " دراسة تطبيقية في الأدب المقارن، أضف إلى ذلك كتاب " إحسان
عباس" بعنوان ملامح يونانية في الأدب العربي.
وفي الثمانينات ظهرت مجموعة كبيرة من المقالات والكتب
بشكل ملفت للانتباه يدل على تطور هذا النوع من الدراسات في البلاد العربية ومن بين
ما نشر في هذه الفترة نذكر.
- مجلة " عالم الفكر " التي
خصصت عددا كاملا للدراسات المقارنة سنــــــــــة 1980، وفي 1982 نُشر كتاب
إبراهيم عبد الرحمان محمد بعنوان " النظرية والتطبيق في الأدب المقارن
"، وفي سنة 1983 خصصت مجلة " فصول " عددين منها للدراسات المقارنة
وفي نفس السنة نشر عبد الوهاب علي الحكي كتابا بعنوان "الأدب المقارن"،
وفي سنة 1984 نشر "داود سلوم" كتابا بعنوان "دراسات في الأدب
المقارن التطبيقي "
-
وفي سنة 1986 ظهر كتاب "سعيد علوش"
بعنوان "مكونات الأدب المقارن في العالم العربي".
-
وفي فترة التسعينات تواصل الإصدار بنفس الوتيرة
التي كان عليها في المرحلة السابقة ومن أهم ما ظهر فيها.
- كتاب بعنوان "آفاق ألادب المقارن
" عربيا وعالميا لحسام الخطيب سنة 1992.
-
وكتاب بعنوان " الأدب المقارن من منظور
الأدب العربي " – مقدمة وتطبيق لعبد الحميد إبراهيم سنة 1997.
- وكتاب بعنوان " نحو نظرية جديدة
للأدب المقارن " في جزئين:
ج1 : البحث عن النظرية
، ج 2 : استراتيجيات المقارنة لأحمد عبد العزيز، وكان ذلك سنة 2002.